Published On Jul 29, 2024
وغزا سيفُ الدّولة من حلب وأبو الطّيّب معه، وقد أعَدُّوا الآلات لعبور أرسناس فاجتاز بحصن الرّان وهو في يده، ثُمّ اجتاز ببحيرة سمنين ثُمّ بهنزيط، وعَبَرَتِ الرُّوم والأرمن أرسناس، وهو نهرٌ عظيم لا يكادُ أحدٌ يعبره إلاّ جرّه وذَهَبَ به لشِدّته وشِدّةِ جَرْيِهِ، فَسَبَحَتِ الخيلُ حتّى عَبَرَتْه خلفَهم إلى تلّ بِطريق، وقَتَلَ مَنْ وجد بها، وأقامَ أيّامًا على أرسناس، وعقدَ سماريّات يعبر فيها، ثمّ قفل، فاعترضَ البِطريقُ في الدّربِ بالجيش، وارتفعَ في ذلك الوقت سَحابٌ عظيم وجاءَ بمطرٍ غزير، ووقع القتال تحتَ المطر، ومع البطريق نحو ثلاثة آلاف قوسٍ، فابْتلّتْ أوتار القسيّ ولم تنفع، وانهزمَ أصحابُه، ثُمّ انهزمَ بعدَ أنْ قاتَلَ وأبْلَى، وعلقتْ بِهِ الخيل، فَعَجَّلَ الهربَ يحمي نفسَه حتّى سَلِم. فقال أبو الطّيّب وأنشدَها إيّاهُ بآمِد، وكان دُخُولُه إليها مُنصرِفًا من بلادِ الرّوم في آخر نهار يوم الأحد، لعشْرٍ خَلَوْنَ من صفر سنة خمسٍ وأربعين وثلاثمئة:
1. الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعانِ
هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثَّانِي
2. فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ حُرَّةٍ
بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كُلَّ مَكَانِ
3. وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتَى أقْرَانَهُ
بِالرَّأْيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأَقْرَانِ
4. لَوْلا العُقُولُ لَكَانَ أَدْنَى ضَيْغَمٍ
أَدْنَى إِلَى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ
5. وَلَمَا تَفَاضَلَتِ النُّفُوسُ وَدَبَّرَتْ
أَيْدِي الكُماةِ عَوَالِيَ المُرَّانِ
6. لَوْلا سَمِيُّ سُيُوفِهِ وَمَضَاؤهُ
لَمَّا سُلِلْنَ لَكُنَّ كَالأَجْفَانِ
7. خَاضَ الحِمَامَ بِهِنَّ حَتَّى مَا دُرَى
أَمِنَ احْتِقَارٍ ذَاكَ أمْ نِسْيَانِ
8. وَسَعَى فَقَصَّرَ عَنْ مَدَاهُ فِي العُلا
أَهْلُ الزَّمَانِ وَأَهْلُ كُلِّ زَمَانِ
9. تَخِذُوا المَجالِسَ فِي البُيُوتِ وَعِنْدَهُ
أَنَّ السُّرُوجَ مَجَالِسُ الفِتْيَانِ
10. وَتَوَهَّمُوا اللَّعِبَ الوَغَى وَالطَّعْنُ فِي الْـ
ـهَيْجَاءِ غَيْرُ الطَّعْنِ فِي المَيْدَانِ
11. قَادَ الجِيَادَ إلَى الطِّعَانِ وَلَمْ يَقُدْ
إِلاّ إِلَى العَادَاتِ وَالأَوْطَانِ
12. كُلُّ ابْنِ سَابقَةٍ يُغِيْرُ بحُسْنِهِ
فِي قَلْبِ صَاحِبِهِ عَلَى الأَحْزَانِ